دعا البطريرك بشارة الراعي أخيراً «التجمع المسيحي المستقل» الى نفخ الروح في نفسه مجدداً، رغم دفن بكركي له بأيديها قبل بضعة أشهر. فبعدما فشلت مساعي «الشركة والمحبة» في إيواء القيادات المسيحية يوما واحدا في الصرح، يبحث الراعي عمن يتبنى مواقفه الجديدة ويبشّر بها

رولا إبراهيم

لا يشبه البطريرك بشارة الراعي نفسه. يكاد يجزم زواره ــ بعد عودته من السفر ــ أن أمرا ما طرأ على مواقفه الأخيرة وأعاده الى ما كان عليه عشية انتخابه بطريركا. يبحث غبطته، اليوم، بعدما فشل في لمّ شمل الأقطاب المسيحية بـ«شركة ومحبة»، عن دور سياسي جديد. يريد لوهج الصرح السياسي الخافت أن يستعيد «تمايزه»، لذلك عاد الى البداية، متمنيا على «التجمع المسيحي المستقل» بث الروح في تجمعه الذي دفنه بيديه: «عودوا الى اجتماعاتكم»، قال لهم همساً. حُدّد موعد الاجتماع يوم التاسع من تموز المقبل وسلكت الدعوات طريقها الى مكاتب المعنيين، الا أن ذلك لا يعني «اننا سنحضر»، يقول أحد أعضاء التجمع. يسود التململ أوساط هؤلاء الذين بدأوا تحركهم الأول منذ نحو عام ونصف عام بناء على رغبة الراعي في «الخروج من حالة الاصطفاف والصراع الدائم العقيم ما بين 8 و14 آذار». ما وجدوه في خطاب سيد الصرح يومها لم يعد يسري في الوقت الحالي. فعندما فضّل «العمل مع المصطفّين على الاستمرار في دعمنا، دخل هو الآخر في حالة الاصطفاف تلك». لذلك تشجيعه اليوم لا يلقى ترحيبا عند من «فقدوا الايمان بسيدهم»، خصوصا أن «الراعي نفسه من طلب منا ايقاف اجتماعاتنا عشية بدء اللقاءات الرباعية في بكركي (للبحث عن قانون للانتخابات)».

قبيل بدء مناقشة القانون الانتخابي وبروز «الأرثوذكسي» الى الواجهة (أي بداية العام الماضي)، حظي أعضاء «التجمع المسيحي المستقل» بامتيازات ما كان لأي سياسي أن يحلم بالفوز فيها مهما بلغت قرب علاقته ببكركي. واظبوا على التواصل اليومي مع الراعي اضافة الى اللقاءات الصباحية والمسائية الدورية. باتت بكركي منزلهم ومرجعيتهم الرئيسية. لعب المطران سمير مظلوم دورا ايجابيا في كل تلك المناسبات، وأصبح المنسق الأساسي بينهم وبين البطريرك. وقتها لم يكن للراعي أصدقاء ولا لتلك المجموعة المسيحية غير المنضوية تحت لواء الأحزاب اللبنانية، فكان التلاقي في التوجهات والأفكار. انتشلت بكركي هؤلاء من نادي «السياسيين السابقين غير النافذين»، وأعطوه بدورهم ما يحتاج إليه: حزب مسيحي «لاحزبي» يلتف حوله ويكون محوره كلام البطريرك وفكره. في ضوء ذلك، مُنحوا مقراً في حَريصا لاجتماعاتهم وتأكيدا لرضى سيد الصرح عن تحركاتهم. ضم التحرك الوزراء السابقين: الياس سابا، جوزيف الهاشم، سليمان طرابلسي، كريم بقرادوني، ناجي البستاني، جورج قرم، يعقوب صراف، الياس حنا، جاك جو خادريان. والنواب السابقين: ايلي الفرزلي، جبران طوق، الياس سكاف، فارس بويز، مروان أبو فاضل، جورج نجم، بيار دكاش، عبدالله فرحات، سليم حبيب. اضافة الى الرئيس السابق لحزب الكتائب منير الحاج، المحامي رشاد سلامة، شادي مسعد، شارل غسطين، الدكتور فؤاد ابو ناضر، جو اده، الاقتصادي ايلي يشوعي، العقيد المتقاعد ميشال كرم، كلود بويز كنعان. الا أن نحو خمسة عشر اجتماعا مرفقة بتصريحات وجداول أعمال، لم ترق الى التجمعات ذات الأهمية السياسية في لبنان. بقيت الأفكار المطروحة في العام، وتكاثرت مع زيادة أعضائهم من دون أن تترجم واقعا. فبقي «مكتب بكركي السياسي» هو الآخر حبرا على ورق. وفي غياب الدعم المادي والبطريركي الجدّي، «لم نستطع الدعوة الى مؤتمر تأسيسي كبير واستقطاب قاعدة مؤيدة والشروع في تنفيذ مشاريعنا». رغم ذلك، استمرّ التجمع بلقاءاته ونقلها من حريصا الى فرن الشباك بعدما وهبهم أحد الأعضاء (الوزير السابق ناجي البستاني) صالة لعقد الاجتماعات. تولى الفرزلي وفرحات زمام الأمور، مسخّرين تحركاتهما لخدمة مشروع البطريرك الراغب بالخروج من «التخندق السياسي» والمشجع على الحوار والمصالحة الوطنية. لم يكن «المسيحيون المستقلون» يدرون وقتها أن احدى بنات أفكار زميل لهم، أي مشروع قانون اللقاء الأرثوذكسي، ستكون سببا في تغيير دفة بكركي لوجهتها الى وجهة أكثر شرعية. سريعا «تخلى البطريرك عنا واحتضن رؤساء الأحزاب المسيحيين، داخلاً اللعبة السياسية التي نبهنا من الانخراط فيها عشية ولادة تجمعنا». عندها كلف الراعي مظلوم ايصال رسالته الى «تجمعه»: «أوقفوا اجتماعاتكم». كان التبرير جاهزا أيضا: «البطريرك نجح في جمع القيادات وقادر بالتالي على تجريد كل زعيم من اصطفافه السياسي بنسبة 50% لصالح الوحدة والتكاتف». ظنّ الراعي أن «باستطاعته تشكيل حزب جديد على غرار تجمعنا يضم الأقطاب الأربعة الأساسيين (ميشال عون، سمير جعجع، أمين الجميل، سليمان فرنجية)». الا أن الأحلام الوردية ما لبثت أن انتهت «بزيادة الاصطفافات أكثر من 50% لكل قيادي وبتخلي الراعي عن الأرثوذكسي اكراما لرغبات رئيس الجمهورية». وبالتالي انفرط عقد الحزب البكركاوي المفترض، وعاد الراعي الى نقطة البداية من دون أصدقاء ولا حزب سياسي.

يفترض الراعي اليوم أن ما فرقه باتصال هاتفي قادر على اعادة جمعه باتصال مشابه. يريد للتجمع المتصدع أساسا والذي رفع الغطاء عنه فتشتت وانتهى، أن يعود ليلتف حوله بعدما تُرك هو الآخر وحيدا. لا يدري هؤلاء ما يدور في خلد البطريرك ولا رغبته المستجدة بإعادة احيائهم: «فقدنا الحماسة لتلك الاجتماعات ولا ندري متى يتركنا البطريرك مرة أخرى نتخبط وحدنا من دون داعم أو حاضن». يفوتهم أن تغيرات السياسة البكركاوية ومواقف الصرح الجديدة بحاجة كما في السابق لمن يتبناها ويبشر بها على شاشات التلفزة وفي الصالونات السياسية التي يتوافدون اليها. فهؤلاء رغم غيابهم عن الخارطة السياسية الحالية، قادرون على ايصال رسائل الراعي وتوجهاته في تلك المرحلة الانتقالية. ربما لن يمر وقت طويل حتى يعيد دفنهم من جديد. لا همّ، ستكون مهمتهم البطريركية قد انتهت عندها ووجد الصرح موطئا لرسالة «الشركة والمحبة» بعيدا عنهم.